فلما كانت الليلة الثانية والتسعون بعد المائة الثالثة بعد الألف التاسعة؛ قالت فقرزاد:
فلما صبَّ الجانُّ الذهب والسبائك، وأيقن التاجر علي المصري أنه نجا من المهالك، قال للجنِّيّ: لن أطلقك حتى تأتي بزوجتي وعيالي، وتبني لي قصرًا أجمعهم فيه مع ثروتي ومالي.
فقال الجنِّي، هذا والله أمر يسير، لا يحتاج مني إلى تفكير، ولم يمر أي وقت عليه، حتى وجد التاجر زوجته وأولاده بين يديه، وهم في قصر عظيم كبير، ومال كثير وفير، ففرح بالأولاد والمال، فأعتق الجنّيّ في الحال.
ثم بعث إلى التاجر الذي كان قد استضافه بالأمس وأكرمه، وآواه في غربته وأطعمه، وقال له: لقد جاءت التجارة التي حدثتك عنها والأحمال، وصنيعك في رقبتي لا يقدَّر بمال، فخذ ما تشاء من الذهب والأموال!
فقال التاجر: إن نعم الله عليَّ كثيرة، وما فعلتُ من معروف تفرضه المروءة والجيرة، ولا أحتاج منك عليه أجرًا، ولكن إن شئت طلبت منك أمرًا!!.
فقال التاجر علي المصري ابن الجوهري البغدادي: كل ما تطلب يا سيدي مجاب، ولن أوفيك ما تستحق من شكر وثواب.
فسأله التاجر: كيف نجا من البيت المسكون بالجان، إذ لم ينجُ قبله أي إنسان؟!
فقال التاجر علي المصري: هذه قصة طويلة، لم يكن لي فيها حيلة، غير أن الله سبحانه جعلني سببًا لتطهير هذا البيت، من الجن والقتل والموت.
ففرح التاجر لخلوِّ بيته من الجان، وقال هذا أفضل ما قدمت لي من إحسان.
ثم إن التاجر علي المصري طلب من التاجر أن يذهب إلى حرَّاس باب المدينة، الذين استضافوه في الليلة الحزينة، ليردَّ لهم الجميل، فهرع التاجر وهو يردِّد حقًّا إنك شهمٌ نبيلٌ أصيل!!.
ولم تمضِ غير ساعة قصيرة، حتى اجتمع الأهل والأصدقاء والحرَّاس والجيرة، وأخذوا يهنئون التاجر علي المصري على نجاته ولمِّ شمله، وردِّ ماله عليه، واجتماع أهله، وبينما هم في فرح وسرور، وهناء وحبور، تذكَّر مراتع الصبا والشباب، فأخبر القوم بأنه قد عزم على السفر والإياب، إلى موطن أجداده في مصر، وسترحل القافلة غدًا بعد صلاة الظهر.
فشرع الجميع يساعدونه في تجهيز القافلة، وإعداد الزاد والراحلة، وبينما هم منهمكون، وفي العمل مستغرقون، إذ سمعوا صافرات الإنذار، ورأوا المجنزرات تثير الرعب والغبار، فهرعوا ينظرون ما الخبر، وهم يخشون ما يخبئه لهم القدر!
ولم يطُل انتظارُهم، فقد توجه جنود المارينز صوبهم، وسلسلوا التاجر علي المصري ابن الجوهري البغدادي بالقيود، ولعنوا آباءه والجدود، ثم اقتادوا جميع من في البيت، دون أن يصدر لأحدهم من الصدمة صوت!
ثم أخرجوا الأموال والجواهر، وقالوا: انظروا إلى هذا التاجر! إنه إرهابيٌّ فاجر!! يريد أن يهرِّب ثروة بغداد الثمينة، إلى خارج أسوار المدينة!
وما هي إلا لحظات، حتى أصدر قائد القوات قرارًا بالتحفُّظ على هذه الثروات، في واشنطن أو نيويورك، بعيدًا عن أيدي القاعدة والإرهاب والكفر والشرك.
أما ما حدث للتاجر علي المصري وأهله وأصدقائه والجيران، أنهم جميعًا قد قضوا نحبهم تحت وطأة سياط السجان، فسبحان من كتب على جميع خلقه الفناء، وله وحده الدوام والبقاء.
وهنا انخرطت فقرزاد في البكاء والعويل والنواح، فسكتت عن الكلام المباح