عندما طيرت وكالات الأنباء العالمية فى عام 2001 خبر وقوع اختيار اللجنة الأوليمبية على الصين لتستضيف دورة الألعاب، قوبل النبأ بمشاعر متضاربة فى أنحاء العالم. أما فى الصين، فإن مئات الآلاف قد تدفقوا إلى شوارع بكين وإلى ساحة ميدان تيان آن مين (السلام السماوي) ليحتفلوا بالمناسبة. ويومها، أعلنت القيادات السياسية لشعبها أن هذا الاختيار إنما يمثل فى حقيقته اعترافا دوليا متجددا بالصين باعتبارها عضوا كاملا فى المجتمع الدولى، وأنها دولة جديرة بتنظيم هذا الحدث العالمي.
غير أن الخبر نفسه لم يلبث أن أثار شجونا ومخاوف لدى كثيرين، خاصة فى النصف الغربى من الكرة الأرضية. لقد استعاد بعض المراقبين فى هذا القسم من العالم ذكريات أليمة عن دورة برلين الأوليمبية، التى بدأت فى عام 1936 تحت الحكم النازي. ومن وجهة نظر هؤلاء، سمح العالم يومها لهتلر بأن يدلف إلى الجماعة الدولية من خلال هذا الحدث الذى أكد صعوده العالمي. وانتهز الرجل الفرصة بدوره، فمضى فى دعم قوته العسكرية إلى أن بدأ حملته الكبرى لإرساء الإمبراطورية الألمانية، بعد ثلاثة أعوام فقط من عقد دورة ألعاب برلين. ولم يلبث العالم أن انجرف إلى هاوية حرب قضى فيها على ملايين البشر، ودمر فى أثنائها من البنى والمؤسسات ما استغرق سنوات لرأبه وإحيائه. وثمة دلائل فى رأى هذا الفريق على أن الصين باتت تسير حثيثا نحو وضع ينذر بأن يشبه ما حدث فى الماضي. والمقارنة هنا لن تكون مع ألمانيا النازية فحسب، ولكن مع اليابان 'الآسيوية' أيضا التى أغراها كل من نموها الاقتصادى وقوتها العسكرية باجتياح الأقاليم المحيطة بها أولا فى ثلاثينيات القرن الماضى، ثم الإقدام بعد هذا على الصدام مع الولايات المتحدة فى عام 1940(1).
وإذا كان موضوع الصعود الخطير للصين مسألة تجتذب اهتمام عدد كبير من المحللين، فإنه قد يكون أيضا مقدمة لا بأس بها لمناقشة عدد من الموضوعات المهمة التى تثيرها الصحوة الكبرى للعملاق الأصفر. وتعتقد كاتبة هذه السطور أن الصين إذا كانت قد قدمت للعالم نموذجا فريدا فى التحول 'الداخلي' إلى اقتصاد السوق تحت حكم حزب شيوعى، فإن هناك من الأمارات ما يدل على أنها بصدد طرح نموذج لا يقل تفردا على مستوى تفاعلاتها مع العالم من حولها، بحيث ترسم صورة جديدة لسلوك الدولة الصاعدة على سلم القوة العالمية. وكلا النموذجين ينهض على بعض القواعد الرئيسية التى ترسمتها الصين منذ أواخر السبعينيات فى القرن الماضى ولا تزال تتبعها حتى اليوم. ولكن، لنبدأ أولا بالإجابة على هذا السؤال:
هل يمثل صعود الصين خطرا على العالم?
*************************
* د. حنان قنديل
* خبيرة في الشئون الصينية، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة..............................