صرح مستشار المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة "تشارز بلاك في حديث أدلى به لصحيفة "فورتشن"، بأن وقوع عملية إرهابية على الأرض الأمريكية مشابهة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001على واشنطن ونيويورك، سيصب في مصلحة "جو ماكين" وسيزيد من فرص فوزه في تلك الانتخابات، بحسب ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي (إسلام أو لاين).
والتعقيب المناسب على هذا التصريح، إنه ليس من الغرابة في شيء أن يكون أمستشار المرشح الجمهوري، مؤمناً بأن وقوع هجمات إرهابية جديدة على الأرض الأمريكية، سيكون في مصلحة ماكين الذي يتبنى ذات الأفكار التي يتبناها المحافظون الجدد، والذين يعتبرونه وبوش وجهين لمعملة واحدة.
كما لن يكون مستغرباً، إن هو بنى اعتقاده على حقيقة مؤداها: إن المحافظين الجدد قد يقومون بأي عمل من شأنه التأكيد للأمريكيين، بأن بلادهم ما زالت مستهدفة للإرهاب، وإن إعطاء أصواتهم لـ"ماكين" هو السبيل الوحيد الذي يكفل استمرار نفوذهم في البيت الأبيض خلال الفترة القادمة، وبالتالي ضمان تواصل الحرب على الإرهاب.
وقد لوحظ أكثر من مرة، أن بوش كان يلجأ لرفع حالة الاستعداد الأمني (ذات الدرجات المتعددة) في بلاده، بدعوى مواجهة أحداث إرهابية محتملة يدعي قرب وقوعها بين الحين والآخر، حين يسشعر أن شعبيته التي بناها على حساب إعلان الحرب على الإسلام والعرب والمسلمين بدعوى محاربة الإرهاب، بدأت تأخذ في الانحسار بسرعة غير مسبوقة.
فقد ثبت للمجتمع الأمريكي بمعظم طوائفه أن تحذيراته تلك لم تصدق ولو لمرة واحدة. بل إن رفض غالبية المجتمع الأمريكي لسياساته التي يراهن فيها على هزيمة ما يسميه بالقاعدة، تتعرض هي الأخرى للنقد والتشكيك في توجهاتها وفعالية أدائها، بل وفي معرفة الجهات الحقيقية المسئولة عن ارتكاب جرائم الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي وقعت عام 2001.
صحيح إن المجتمع الأمريكي يعاضد من المرشحين للرئاسة، من يؤمن بأنه قادر على حماية أمريكا من أعمال إرهابية كتلك التي وقعت في عقر دارهم في الحادي عشر سبتمبر 2001، لكن ما هو صحيح أيضاً أنه بات الآن على قدر كبير من الحذر في تصديق الكثير من التبريرات والادعاءات الباطلة التي أتى بها بوش لتبرير حربه التي ما زال يخوضها في العراق، بحجة أن بغداد كانت تمثل خطراً على الأمن القومي الأمريكي والسلام العالمي، وأن ثمة علاقة كانت بين رئيس العراق الراحل صدام حسين وبين تنظيم القاعدة.
كذلك لم يثبت للرأي العام الأمريكي حتى اللحظة، أن الهجمات الإرهابية التي وقعت على واشنطن ونيويورك، هي من تخطيط وتنفيذ أسامه بن لادن وتنظيمه المسمى بالقاعدة. فبن لادن كان اليد الطولى والحليف الحميم لأمريكا الذي حارب باسمها الاحتلال السوفييتي المنهار في أفغانستان، وأجبر والمجاهدون الأفغان الجيش السوفييتي آنذاك على الانسحاب من كابول.
فإذا كان الأمر كذلك، فمن المتوقع أن يتساءل الأمريكيون: لماذا إذن هذا الانقلاب الذي يمارسة "بن لادن" على أمريكا. كما لا بد للرأي العام الأمريكي أن يتساءل أيضاً: إذا كان المسلمون هم حقا الذين قاموا بالتخطيط وتنفيذ تلك الهجمات كما تدعي وسائل الأعلام الأمريكية، فما سبب الكراهية التي دفعتهم لارتكاب مثل هذه الجريمة الإرهابية البشعة؟.
باراك أوباما
بوش والمحافظون الجدد يتعللون - في إعلان حربهم على الإسلام والعرب والمسلمين بدعوى محاربة الإرهاب - بأن جميع من قام بتنفيذ تلك الهجمات هم مسلمون، وإن خمسة عشر منهم سعوديون. وهم في ذلك يوقعون أنفسهم في عملية "استهبال" مضحكة ومكشوفة للعقل الأمريكي، حين يدّعون أن السبب الحقيقي يكمن في تعاليم الإسلام والثقافة الإسلامية التي تدعو لتدميرالحضارة الغربية على ما يدعون، مستشهدين في ذلك بمقولتي "صدام الحضارات" لهنتنجتون، و "نهاية التاريخ" لفوكوياما .. هاتين المقولتين اللتين التي بناها باحثون لحساب البنتاجون على التعسف في إطلاق الأحكام لخدمة أهداف مفضوحة، والبعد كلية عن مناهج البحث العلمي في دراسة تطور الحضارات والتاريخ الإنساني.
فهم وأجهزة استخبارتهم العتيدة في التآمر المنتشرة في كل مكان في العالم، يدركون تماماً أن من السهل على خبراء الاستخبار تجنيد عدد من الشباب المسلم المتحمس للقيام بأعمال استشهادية .. يعتقدون أنها تضحية منهم، إن هم قاموا بمثل هذا العمل من أجل نصرة الإسلام والمسلمين.
ومع ذلك فإن تنفيذهم لتلك المهمة - وهو أمر ما زال مشكوكا فيه - ما كان ليتم بالصورة التي أنجز بها، لولا تلقيهم مباركة ومساعدات فاعله من مؤسسات أمريكية فنية واستخبارية وعسكرية عالية الخبرة والتدريب والإمكانات والنفوذ، وبخاصة في مجال التحكم في الطيران بشقيه العسكري والمدني .. فوق أهم مدينتين في أمريكا، هما واشنطن ونيويورك.
ونتيجة لتلك الهجمات، قرر المحافظون الجدد البدء في تنفيذ برنامجهم الحاقد ضد الإسلام والعرب والمسلمين، حيث وجدو في تلك الأحداث الفرصة الذهبية التي تبرر ارتكابهم لتلك الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحق الأفغان والعراقيين.
لكن الغريب حتى في غزوهم للعراق بالذات واحتلاله، اعتمدوا على عدد من المقولات والاتهامات التي ثبت بطلانها، حتى قبل إتمام الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله. وكان من أبرز ادعاءاتهم الملفقة تلك، أن النظام البعثي المنهار في العراق يمتلك أسلحة دمار شامل.
وهذا ما ثبت بطلانه حين أثبتت البعثات الأممية التي زارت العراق عدم صحته. فهي لم تعثر على دليل واحد يثبت وجود أي نوع من أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام، وبخاصة بعد أن جالت كل أنحاء العراق، وتفقدت المنشآت المدنية والعسكرية فيه، وتفقدت حتى القصور الرئاسية.
كذلك أثبتت اللجنة الأمريكية التي شكلتها الإدارة الأمريكية للغرض ذاته بطلان هذا الادعاء، كما نفى بوش نفسه، أن يكون لصدام أو حزب البعث أية علاقة ببن لادن وبتنظيم القاعدة الذي يرئسه.
وما دام سلوك المحافظون الجدد على هذه الشاكلة، فليس من المستغرب أن يخططوا للقيام بأي عمل من أجل تثبيت استمرار وجودهم في منطقة النفوذ الأمريكي خلال الفترة القادمة، حتى يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم نحو تدمير الثقافة الإسلامية، والاستيلاء على ثروات العالمين العربي والإسلامي النفطية. وليس من شك أن هذا سيساعدهم في الهيمنة على الاقتصاد العالمي، والتحكم في معدلات نموه، وتجيير ذلك كله لصالح الاقتصاد الأمريكي، الذي يتعرض الآن لمخاطر الانكماش والتقهقر، أمام التكتلات والقوى الاقتصادية العالمية المنافسة.
جورج بوش
وعلى الرغم من محاولة تبرؤ "ماكين" من تصريحات مستشاره المعيبة، وبرغم محاولة الأخير التأكيد على الخدمات التي قدمها ماكين في مجال القضاء على الإرهاب، غير أن "بول بورتون" الممثل باسم حملة ترشيح الديقراطيين لـ "باراك أوباما" كان محقاً حين وصف قولة مستشار مكين، بأنها "أمر مخزٍ".
لكن الأخطر من ذلك كله، أن يقوم هؤلاء المحافظين بمغامرة غير محسوبة العواقب في المنطقة، وبخاصة ضد ما يسمونه بدول محور الشر الذي يضم "سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس"، ليقنعوا الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية، بأن حربهم ضد الإسلام والعرب والمسلمين بدعوى القضاء على الإرهاب، هي حرب عادلة وحتمية للحفاظ على الحضارة الغربية المعاصرة التي وصفها (أي الحضارة الغربية) المفكر البريطاني "أوزفيلد شبنجلر" - منذ أكثر من ستين عاما - بأنها تمر بمرحلة احتضار تنتهي بها حتما للفناء.
فإذا كانوا قد فشلوا حتى اللحظة في تحقيق هذا الهدف (أي تدمير الثقافة الإسلامية)، فليس مستغرباً أن يقوموا بأي عمل، من شأنه إثارة الرأي العام الأمريكي ضد الإسلام والعرب والمسلمين، حتى لو تم على التراب الأمريكي. وهذا ما فعله (بالضبط مستشار المرشح الجمهوري - ماكين).