الشخصية والتوافق
اذا كان التوافق في معناه العام يشمل كل نشاط يقوم به الكائن الحي بما
يحقق له الاشباع والتلاؤم في سياق تعامله مع الظروف المختلفة فأن الشخصية
هي الاخرى دائمة البحث عن التوافق في مسعاها الحياتي ،فهي دينامية ونشوئية
تعكس عبر مراحل تطورها لدى الفرد اشباعات مختلفة حتى خلال مراحلها الاولى
التي تميز مرحلة الطفولة ،وان كانت الشخصية تتسم بعدم التبلور ،ولكن
التوافق يجعلها تصل الى مرحلة المرونة رغم ان هناك درجة من الاهتزاز في
تكوين الشخصية ،ففي تلك المراحل قبل تبلورها تارة تميل الى الكبت وتارة
الى التفعيل والتفاعل مع الاخرين ،فالطفل حينما يبحث عن التوافق انما
ينتقل بين الانطواء والانبساط ،ويعبر في احيان كثيرة عن السلوك العدواني
اما من الداخل فيتألم واما الى الخارج في احيان اخرى بصورة
انفعالات،والعنصر الاساس هنا مو القلق وعمقه وطبيعته،فالانسان عبر مراحل
حياته ينتابه القلق من طفولته الى مراهقته الى بلوغه،ولكل مرحلة متطلباتها
وما ينتابها من قلق ،ويقول علماء النفس اذا كانت درجة القلق محتملة(قابلة
للتحمل) واستمر الانسان متكيفا مع بيئته فأنه قد يكتسب المزيد من الثقة
والقدرة على التكيف بحيث يستطيع ولو جزئيا على هذا القلق .اما اذا زادت
درجة القلق او كانت درجته اعمق بحيث لا يستطيع الفرد تحمله فانه سوف يلجأ
الى وسائل مختلفة للتغلب على هذه الحالة او الوضع النفسي ،وهنا قد يتحول
الانسان القلق الى نمط آخر من اضطرابات الشخصية، ويخرج من توافقه النفسي
وربما يقوده الى اضطراب العصاب او الذهان.
لابد هنا من التفريق بين مفهومي التكيف والتوافق ،فالتكيف يعني انسجام
الفرد مع عالمه المحيط به ،اما التوافق فيعني العمليات النفسية البنائية
في مقابل التكيف الذي يعني السلوك الاجتماعي ،اي انه يعني الحرية من
الضغوط والصراعات النفسية ،هو انسجام البناء الدينامي للفرد
ان الشخصية الانسانية وهي تبحث عن التوافق انما تبحث عن الاتزان الانفعالي
،ونعني به قدرة الشخص على السيطرة على انفعالاته المختلفة والتعبير عنها
بحسب ما تقتضيه الظروف وبالشكل الذي يتناسب مع قدرته وطاقته على استيعاب
المواقف الحياتية ،لهذا عندما نقول ان الشخصية تتسم بالثبات النسبي ،انما
هو ثبات الاستجابة الانفعالية في المواقف الحياتية الضاغطة وهي علامة
مميزة للتوافق وعلامة تدل على الصحة النفسية والاستقرار الانفعالي في
الشخصية. هنا لابد لنا ان نفرق بين التوافق الاجتماعي والتوافق الشخصي
(الذاتي) والتوافق العقلي والتوافق الديني والتوافق الجنسي والتوافق
المهني والتوافق الدراسي ،فأي اضطراب او خلل في هذه التوافقات ينعكس حتما
على الشخصية ،فالاصل في التوافق هو تعديل الكائن بحيث سلوكه مع الظروف
،وهو ما سماه كارل يونغ مغايرة Dissimilation او يلجأ الكائن الى احداث
تعديل في البيئة وهو ما اسماه مماثلة Assimilation او يعدل الكائن بعضا
منه وبعضا من البيئة لاعادة التوافق والتوازن .يقول احمد فائق ان التوافق
هو حالة وقتية تتزن فيها قوى المجال بما فيه الشخص ذاته ،فكل مجال انساني
يتضمن عديدا من القوى المتنافرة المتنازعة ،ويتضمن الانسان الذي سينمو
بسلوكه انتحاءا خاصا حسب نظام هذه القوى حيث ينعكس عليه تأثير هذا
الانتحاء ،فعندما يوجد انسان في مجال جديد كالدراسة الجامعية فأن القوى
التي تتنازعه في هذا المجال لا تستقر بسرعة ولا توجد اصلا على استقرار
،فمن جانب سيجد ان الدراسة في الجامعة من طبيعة مختلفة يزيد فيها قدر
الابتكار عن الحفظ بعكس ما كانت عليه الدراسة الثانوية ، ثم يجد ان نظام
التدريس يتيح له قدر اكبر من الحرية التي كانت محدودة في نظام الحضور
والغياب في المدرسة ،ذلك بالاضافة الى ان طبيعة العلاقات الانسانية في
الجامعة ذات شكل غير رسمي لاختلاف الاقسام عن نظام الصفوف ،وهكذا يختل
الاتزان الشخصي للطالب الذي كان قد استقر على الخضوع لقوى خارجية تفرض
النظام واصبح يستلزم خلق نظام داخلي ذاتي. لذلك كان موضوع التوافق موضوعا
صراعيا في حد ذاته ينعكس على الشخصية واتزانها ،بمعنى آخر ان التوافق هو
نتاج قوى
متصارعة بين شخصية الفرد وبيئته،امكانياته والفرص المتاحة له في بيئته
،ولا يمكن لدارس علم النفس ان يدرس الانسان ان لم ينظر الى التوافق
باعتباره عامل مؤثر ومتأثر ،قابل للتأثر والتأثير وينعكس مباشرة على
الاتزان الشخصي والنفسي ،وهو الحال كذلك في جميع التوافقات الاخرى .
الشخصية وسوء التوافق
ترى نظرية التحليل النفسي ان الشخصية مزيج بين الناحية الدينامية والناحية
التكوينية،وان فرويد أحسن التمييز بينهما(الدينامية والتكوينية) فوجهة
النظر التكوينية تفسر السمات الشخصية والانماط السلوكية على ضوء التطور
النفسي ،اذ ان مقارنة تاريخ حياة الافراد تكشف عن بعض الثوابت في تتابع
وترابط انماط السلوك.وقد وصف فرويد منذ عهد مبكر مراحل تطور الغرائز
ومراحل تطور العلاقات مع الموضوع ،وعلى هذا النمو يمكن دائما فهم اي سلوك
او سمة شخصية او عرض بوصفها ارتقاءا او نكوصا ً، وهو الحال في سوء التوافق
وانعكاس ذلك على الشخصية،اذا ما سلمنا جدلا بان علم الشخصية هو الدراسة
الكلينيكية للسلوك الملموس والخبرات التي يحياها الشخص في اتصاله مع
بيئته. ونضطر لان نستخدم التكيف التكتيكي تعبيرا نقصد به تحقيق التوافق
بين مجتمعات بني الانسان في صراعها المرير مع بيئاتها الفيزيقية ،وهكذا
ايضا استخدم علماء الاجتماع اصطلاح التكيف الاجتماعي لكي يدل على عملية
التوافق بين افراد متعارضين او بين جماعات متنافرة. ونعود مرة اخرى
للتحليل النفسي بتعبير "اوتو فينخل"باستخدامه التكيف الدينامي ،وعرفه بانه
العثور على حلول مشتركة التي تمثلها الحوافز Motives الداخلية والمثيرات
الخارجية Stimuli القائمة على الكف او التهديد حتى نخلق سوء التوافق او
التوافق الانهزامي وهو ان يلجأ الفرد الى السلبية او الخيالات او
النكوص ،او ربما يكون توافقا بالكبت او الخوف كما قد يلجأ الفرد الى
التوافق بردود الفعل المستمرة التي لا تؤدي الى توافق سوي مثل القلق او
الانطواء ،وهو سوء التوافق بعينه حينما يلجأ الفرد الى اسلوب الاستجابة
بوساطة ميكانيزمات الدفاع"حيل الدفاع" مثل الاسقاط،الكبت،النقل،العزل..الخ
منقول